الأربعاء، 4 مارس 2009

هل يحاكم الرئيس البشير دوليًا؟!!


هل يحاكم الرئيس البشير دوليًا؟!!
سؤال يجب عنه الدكتور/محمد سليم العوا
أصدر المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية، الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو، تقريرًا سيقدمه إلى الدائرة التمهيدية المختصة بالمحكمة الجنائية الدولية (وفقًا لنص المادة 58 من نظامها) بطلب القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير لمحاكمته بموج النظام الأساسي للمحكمة الصادر في روما عام 1998.
ويثير هذا الموقف من المدعي العام تساؤلات عديدة عن مدى جوازه من الناحية القانونية الدولية؛ وعن مدى صحته طبقًا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ وعن مدى تعبيره عن حقائق واقعية تشكل جرائم ضد الإنسانية تقتضي تدخلاً دوليًا؛ وعن الآثار قد تترتب على تنفيذ طلب المدعي العام ـ إذا تم تنفيذه ـ بالنسبة لدول العالم بوجه عام وبالنسبة للدول العربية بوجه خاص.
وأحاول إيجاز ذلك كله في الملاحظات الآتية:

(1)

المحكمة الجنائية الدولية أنشئت بموجب معاهدة دولية ملزمة للأطراف التي صدقت على الانضمام إليها دون غيرها. هذه المعاهدة هي المعروفة باسم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية. وقد اعتمد هذا النظام في روما في 17/7/1998 أي منذ عشر سنوات كوامل. والدول التي صدقت على هذه المعاهدة بلغ عددها حتى 1/6/2008 (106) دولة، منها 30 دولة إفريقية و13 دولة آسيوية و16 دولة أوربية شرقية و22 دولة من أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي و25 دولة من أوربا الغربية وغيرها. ويدخل تحت تعبير (وغيرها)، الوارد في البيان الرسمي للدول الأعضاء في نظام روما، دولتان عربيتان هما الأردن وجيبوتي. ولم تصدق أي دولة عربية، سوى هاتين الدولتين، على نظام المحكمة.
والمقرر في قواعد القانون الدولي ـ بغير خلاف ـ أن المعاهدات الدولية لا تسري إلا على الدول الأطراف فيها. وأنه لا يمكن إجبار دولة على الالتزام بأحكام معاهدة، أو الخضوع لها، دون أن تكون طرفًا فيها.
ولم يخرج النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عن قاعدة اقتصار آثار المعاهدات على أطرافها؛ فقد نص في مادته الثانية على أن (جمعية الدول الأطراف) هي التي تعتمد اتفاق تنظيم العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة، ونص في مادته الثالثة/2 على أن (جمعية الدول الأطراف) هي التي تعتمد اتفاق المقر الذي يبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة مع دولة المقر (هولندا)؛ ونص في مادته الرابعة/2 على أن للمحكمة أن تمارس وظائفها ومسؤوليتها على النحو المنصوص عليه في هذا النظام الأساسي في إقليم أية دولة طرف؛ ونص في مادته الحادية عشرة/2 على أنه: "إذا أصبحت أي دولة من الدول طرفًا في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة....". وقد أكدت هذا المبدأ نصوص المواد (12) و(13) و(14) والمادة (34 في فقرتها رقم أ وب وج، وفقرتها رقم 6/أ وفقرتها رقم 8/أ وب) والمادة (42/4) والمادة (48/1) والمادة (51/2) والمادة (52/3) والمادة (59/1)؛ وغيرها من النصوص التي تشير إلى (الدولة الطرف) أو إلى (الدول الأطراف).
ونصوص النظام الأساسي للمحكمة عددها (128) مادة ليس فيها مادة واحدة تخول المحكمة اختصاصًا على مكان أو شخص لا يحمل جنسية إحدى الدول الأعضاء في تلك المعاهدة الدولية المعروفة بـ: "نظام روما 1998".
ونتيجة ذلك قانونًا أن السودان، وأراضيه وأبنائه، من المسؤولين الحكوميين أو السياسيين أو من غيرهم، لا يمكن بحال من الأحوال أن تنطبق عليهم نصوص نظام المحكمة الجنائية الدولية لسبب بسيط هو أن السودان ليس عضوًا في هذه الاتفاقية التي لا تسري نصوصها إلا على الدول الأعضاء فيها.

(2)

تنظم المادتان (53) و(54) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وظيفة المدعي العام المعين أمامها. وهما توجبان عليه ـ ضمن واجبات عديدة ـ أن يتأكد من أن المعلومات التي أتيحت له توفر أساسًا معقولا للاعتقاد بأن جريمة تدخل في اختصاص المحكمة قد ارتكبت أو يجري ارتكابها، ومن أن القضية مقبولة أو يمكن قبولها بموجب المادة (17)، وأن يوسع نطاق التحقيق ليشمل جميع الوقائع والأدلة المتصلة بتقدير ما إذا كانت هناك مسؤولية جنائية بموجب هذا النظام الأساسي وأن يحقق في ظروف التجريم والتبرئة على حد سواء.
وقراءة تقرير المدعي العام، الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو، تبيِّن أنه لم يزر السودان، وطبعًا لم يزر دارفور. ولم يزر أي من معاونيه الذين ذكرهم النظام الأساسي للمحكمة السودان أو دارفور فكيف يتسنى له أن يتأكد من المعلومات بحسب نص المادة (53) وأن يوسع نطاق التحقيق طلبًا للحقيقة عملا بنص المادة (54) من النظام الأساسي للمحكمة؟؟
لقد اعتمد السيد/أوكامبو على معلومات وصلته من معارضين سودانيين يقيمون في أوروبا
ـ وربما في الولايات المتحدة ـ وعلى تقارير إعلامية، وسمى ذلك وثائق، وعدَّدها فجعلها سبعة آلاف وثيقة(!) وهي كلها لا توصف بأقل من أنها غير محايدة. وهي، لا شك، قد وصفت الحال في دارفور بما أملاه هوى كاتبيها لا بحقيقة الحال لأن الذي أورده المدعي العام في تقريره المأخوذ منها ليس صحيحًا جملة وتفصيلاً.
ودارفور ليست في المريخ، ولا الوصول إليها مستحيل. والسودان تَعَاون مع كل من اهتم بموضوعها في إتاحة فرصة الوصول إليها واللقاء بالمسؤولين السودانيين وزعماء المعارضة، وبأهل دارفور في محافظاتها الثلاث والوقوف على حقائق الواقع بنفسه. ولم يقرر أحد من الأشخاص، ولا وفد رسمي من الوفود التي زارت دارفور في خضم الأحداث (2004-2006) صحة أي تهمة مما ردده السيد/ أوكامبو في تقريره.
لقد زارت وفود من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واتحاد الأطباء العرب، وعشرات المنظمات الأخرى العربية والإسلامية والدولية، دارفور في أثناء سنوات 2004 و2005 و2006، وقبلها وبعدها. وكانت، ولا تزال فيها، معسكرات دائمة للبعثة الطبية العسكرية المصرية، وللهلال الأحمر السعودي، ولمنظمة الإغاثة الإسلامية وبضع وعشرين منظمة إغاثية أوروبية وأمريكية وغيرها؛ ولم يجد أحد أي دليل على صحة شيء من التهم التي يزعم المدعي العام أنها قائمة في حق حكومة السودان أو في حق الرئيس البشير. وأصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانًا ضافيًا في 7/9/2004 بعد زيارة وفد منه استمرت خمسة أيام للسودان ودرافور، ولم يبق فيها مسؤول له شأن بقضية دارفور، أو معارض له قول فيها، إلا وقابله وفد الاتحاد، بمن فيهم الدكتور حسن الترابي الذي كان رهن الإقامة الجبرية يومذاك. وانتهى الوفد (كان مكونًا من العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد، والمستشار الشيخ فيصل مولوي، والأستاذ الدكتور علي القره داغي عضوي مجلس الأمناء، وكاتب هذه السطور أمينه العام) إلى أن الأخبار التي كان يتداولها الإعلام الغربي ـ وهي التي بنى عليها السيد/ أوكامبو تقريره ـ عن التطهير العرقي والإبادة الجماعية والاغتصاب الجماعي، كلها لا أساس لها من الصحة. وأن الوضع في دارفور يرجع إلى جملة عوامل ليس من بينها ـ يقينًا ـ رغبة الحكومة أو سعيها إلى (إبادة جماعية)، أو مساعدتها على ذلك ضد أية جماعة لأية جماعة عرقية في دارفور.
بل لقد زار دارفور وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول، وناقش عددًا كبيرًا من قياداتها السياسية والتنفيذية ومن أبناء قبائلها، وعندما عاد إلى الخرطوم صرح للتلفزيون السوداني، وغيره من أجهزة الإعلام، بأنه لم يشهد أي دليل على التطهير العرقي في دارفور، ثم عند وصوله إلى باريس صرَّح في المطار بخلاف ذلك (!) ويبدو أن السيد/أوكامبو استمع إلى التصريح الثاني ولم يلفت نظره تناقضه مع التصريح الأول.
وقد نشرتُ في مجلة وجهات نظر المصرية (عدد أكتوبر 2004)، في أعقاب عودتي من دارفور، تفصيلاً مطولاً لحقائق الوضع هناك وأسبابه واقتراحات السودانيين وغيرهم عن كيفية علاجه، وأثبتُّ بشهادة قضاة، وأساتذة جامعات، وعلماء، ودعاة وممثلين لمختلف القبائل في دارفور، أن الأمر فيها لا علاقة له من قريب أو بعيد بالجرائم التي يزعم تقرير المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية أن لديه أدلة على ارتكاب الرئيس السوداني إياها. وأشرتُ إلى اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي شكلها الرئيس البشير طبقًا لقانون سوداني قديم (من زمن الإنجليز) برئاسة قاضي قضاة السودان السابق، العالم الجليل، البروفيسور دفع الله الحاج يوسف وقد ضمت أطباء وقضاة سابقين وأخصائيين نفسيين وخبراء في الشؤون العسكرية والأمنية وانتهت بعد عمل استمر نحو سنة كاملة إلى ذات النتائج التي انتهى إليها وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وتقرير هذه اللجنة منشور في أكثر من مائة صفحة ومحاضر أعمالها المثبتة لكيفية إنجازها مهمتها تقع في عدة مئات من الصفحات، وقد قدم السودان تقرير هذه اللجنة، مع غيره من التقارير، إلى مجلس الأمن فكانت كلها متاحة للمدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وهكذا فإن المدعي العام الذي يطلب إلقاء القبض على الرئيس عمر حسن البشير لمحاكمته جنائيًا، لم يقم بأداء واجباته التي يلزمه بها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فقدم معلومات مغلوطة، عارية عن الصحة، وتجاهل تقارير الوفود المحايدة التي زارت مواقع الأحداث، وهو استنكف عن زيارتها. وتقرير من هذا النوع لا يصلح ـ قطعًا ـ دليلاً أمام أية محكمة تحترم نفسها لتوافق على إلقاء القبض على شخص متهم بجرائم ضد الإنسانية، هذا لو كانت المحكمة مختصة بمحاكمته أصلاً (!)
ولعله يهم القارئ أن يعرف أن هذا المدعي العام نفسه كان يدرِّسُ أحيانًا في جامعة هارفارد الأمريكية، أستاذًا زائرًا وكانت شهرته بين طلابه أنه يتميز بعنفٍ ظاهر، واندفاع لا يخفيه، وشدة في معاملة طلابه غير مألوفة. والممارسون لمهنة القانون يعرفون كيف تنعكس مثل هذه الصفات الشخصية على صاحبها عندما يكون في موقع الادعاء!!

(3)

إن الواجب على الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية أن تقضي بعدم قبول الطلب المقدم من المدعي العام لتعلقه بدولة ليست عضوًا في معاهدة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ولكن أصواتًا من الغرب. وبعض الأصوات في السودان نفسه، تقول إن المدعي العام قدم تقريره إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة بناء على طلب من مجلس الأمن، ومن ثم يجوز للمحكمة أن تحاكم الشخص المعني بناءً على نص المادة (13/ب) من النظام الأساسي للمحكمة. وهذا النص يجيز للمحكمة أن تمارس اختصاصها "إذا أحال مجلس الأمن، متصرفًا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت". والجرائم المشار إليها هي الجرائم المبينة في النظام الأساسي للمحكمة.
ولكن هذا الرأي مردود، وغير سديد. فهو مردود لأن اختصاص المحكمة بصوره كافة يقتصر على الدول الأعضاء في معاهدة نظامها الأساسي. ونصوص هذا النظام، كنصوص أية معاهدة دولية أو قانون أو عقد، يجب أن تفسر متكاملة. متجانسة يأخذ بعضها بعَضُدِ بعض؛ ولا يجوز أن يفسر كل نص منها مبتورًا من سياقه، مقطوعًا عن سباقه ولحاقه، بحيث تتضارب الأحكام وتتنافر النتائج على نحو يأباه المنطق القانوني السليم.
وهو غير سديد لأن اختصاص مجلس الأمن بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة هو اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، ويجوز له بموجب المادة (42) وما بعدها من الميثاق أن يتخذ تدابير عسكرية بما فيها استخدام القوة "لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".
وليس في هذا الفصل، لا في ميثاق الأمم المتحدة، ولا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ما يخول مجلس الأمن، ولا المدعي العام، إلزام دولة مستقلة ذات سيادة بأحكام وإجراءاتٍ تقررها معاهدة ليست هذه الدولة طرفًا فيها.
وعلى أساس هذا المنطق المسلَّم في النظم القانونية كافة، في النظم القانونية كافة، يكون اختصاص مجلس الأمن بموجب المادة (13/ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قاصرًا على حالات وقوع الجرائم المشار إليها في نص تلك المادة في دولة، أو من دولة، عضو في اتفاقية النظام الأساسي للمحكمة. وطلبُ مجلس الأمن الذي يوجهه إلى المدعي العام في شأن غير الدول الأطراف في ذلك النظام الأساسي لا قيمة له قانونًا، ولو كان هذا المدعي العام يمارس عمله بالاستقلال المنصوص عليه في المادة (42/1) من النظام الأساسي لردَّ هذا الطلب إلى مجلس الأمن لعدم تعلقه بدولة من الدول الأطراف في نظام المحكمة.
وهكذا، يتبين أن المادة (13/ب) من نظام المحكمة لا توفر سندًا قانونيًا مقبولا لما قام به المدعي العام، كما لا يمكن أن توفر هذه المادة أي سند لقرار تصدره الدائرة التمهيدية بالمحكمة للقبض على الرئيس عمر البشير.

(4)

يبقى أن نشير، في هذه الملاحظات العاجلة، إلى أن عمر حسن البشير رئيس دولة. وهو وفق العرف المستقر في القانون الدولي يتمتع بحصانة قضائية وسياسية لا يمكن النيل منها إلا وفق ودستور بلاده وقانونها. وفي النظام الأساسي للمحكمة نص المادة (27) الذي يقرر أن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسًا لدولة أو حكومة أو عضوًا في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخبًا أو موظفًا حكوميًا، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي.
والنص ناطق صراحة بأنه يعمل في ظل (النظام الأساسي للمحكمة)؛ أي يعمل في نطاق واجبات الدول الأطراف فيه وينطبق على المسؤولين في تلك الدول. ومن ثم فلا أثر لنص المادة (27) من النظام الأساسي على حصانة الرئيس البشير المقررة بالدستور السوداني.
ويؤكد ذلك أن بعض الدول التي صدقت على الاتفاقية أبدت مجالسها الدستورية أو التشريعية تحفظات على هذا النص مقررة أن القبول به يستلزم تعديلا لدستورها أو قوانينها المقررة لحصانة رئيس الدولة أو الوزراء أو أعضاء البرلمان.
وقع ذلك في فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج [الرأي الدستوري الفرنسي صادر من المجلس الدستوري في 22/1/1999؛ والرأي الدستوري البلجيكي صادر من مجلس الدولة في 21/4/1999؛ والرأي الدستوري في لوكسمبورج صادر من مجلس الدولة بتاريخ 4/5/1999].
فلو افترضنا ـ جدلا ـ أن السودان، أو غيره من الدول العربية، انضمت إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن ذلك سيقتضي تعديلات دستورية ضرورية قبل أن يصبح النظام نافذًا في حق تلك الدول، ذلك أن جميع الدول العربية تقرر حصانات لفئات مختلفة من ذوي النفوذ والسلطان فيها لا يمكن الإبقاء عليها مع الانضمام إلى النظام الأساسي للمحكمة . ومن العجيب أن أدبيات الموضوع المتاحة لا تشير إلى أي تعديل دستوري في الأردن أو جيبوتي (الدولتان العربيتان الوحيدتان المنضمتان إلى النظام الأساسي للمحكمة) مع وجود نصوص دستورية تقرر حصانة رئيس الدولة في كل منهما (!)
ويؤكد ما ذكرناه آنفًا من اقتصار العمل بنظام المحكمة على الدول الأطراف فيها ما أورده نص المادة (11/2) من أنه لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها، بالنسبة للدول التي تنضم إلى النظام بعد نفاذه، إلا بشأن الجرائم التي ترتكب بعد بدء سريانه في حقها.

(5)

إن التقرير الذي قدمه المدعي العام إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لو حظي بقبول هذه الدائرة وصدر أمر قضائي بالقبض على الرئيس البشير سيكون سابقة خطيرة قد يصل مداها ـ ذات يوم ـ إلى الرئيس جورج بوش نفسه بسبب المجازر التي ترتكبها قواته في العراق وأفغانستان والصومال، وبسبب الدعم غير المحدود المقدم من إدارته لإسرائيل لتستطيع تنفيذ مجازرها اليومية في فلسطين ولبنان وغيرهما. وقد يصل مداها إلى مئات المسؤولين الصهاينة الذين تثبت وثائق وأدلةٌ لا يرقى إليها أي شك ارتكابهم مئات الجرائم ضد الإنسانية من دير ياسين إلى بحر البقر إلى صابرا وشتيلا إلى قانا إلى الخليل وجنين وغزة وعشرات الأماكن الأخرى.
أما الرؤساء والملوك والأمراء العرب فإنهم إذا لم يقفوا وقفة رجل واحد لمنع صدور هذا القرار المطلوب من الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية، فإنني أخشى أن يأتي اليوم الذي يقول فيه قائلهم "أُكِلتُ يوم أٌكِلَ الثورُ الأبيض". 18 يوليو 2008


هل يحاكم الرئيس البشير دوليًا؟!!

أصدر المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية، الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو، تقريرًا سيقدمه إلى الدائرة التمهيدية المختصة بالمحكمة الجنائية الدولية (وفقًا لنص المادة 58 من نظامها) بطلب القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير لمحاكمته بموج النظام الأساسي للمحكمة الصادر في روما عام 1998.
ويثير هذا الموقف من المدعي العام تساؤلات عديدة عن مدى جوازه من الناحية القانونية الدولية؛ وعن مدى صحته طبقًا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ وعن مدى تعبيره عن حقائق واقعية تشكل جرائم ضد الإنسانية تقتضي تدخلاً دوليًا؛ وعن الآثار قد تترتب على تنفيذ طلب المدعي العام ـ إذا تم تنفيذه ـ بالنسبة لدول العالم بوجه عام وبالنسبة للدول العربية بوجه خاص.
وأحاول إيجاز ذلك كله في الملاحظات الآتية:

(1)

المحكمة الجنائية الدولية أنشئت بموجب معاهدة دولية ملزمة للأطراف التي صدقت على الانضمام إليها دون غيرها. هذه المعاهدة هي المعروفة باسم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية. وقد اعتمد هذا النظام في روما في 17/7/1998 أي منذ عشر سنوات كوامل. والدول التي صدقت على هذه المعاهدة بلغ عددها حتى 1/6/2008 (106) دولة، منها 30 دولة إفريقية و13 دولة آسيوية و16 دولة أوربية شرقية و22 دولة من أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي و25 دولة من أوربا الغربية وغيرها. ويدخل تحت تعبير (وغيرها)، الوارد في البيان الرسمي للدول الأعضاء في نظام روما، دولتان عربيتان هما الأردن وجيبوتي. ولم تصدق أي دولة عربية، سوى هاتين الدولتين، على نظام المحكمة.
والمقرر في قواعد القانون الدولي ـ بغير خلاف ـ أن المعاهدات الدولية لا تسري إلا على الدول الأطراف فيها. وأنه لا يمكن إجبار دولة على الالتزام بأحكام معاهدة، أو الخضوع لها، دون أن تكون طرفًا فيها.
ولم يخرج النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عن قاعدة اقتصار آثار المعاهدات على أطرافها؛ فقد نص في مادته الثانية على أن (جمعية الدول الأطراف) هي التي تعتمد اتفاق تنظيم العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة، ونص في مادته الثالثة/2 على أن (جمعية الدول الأطراف) هي التي تعتمد اتفاق المقر الذي يبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة مع دولة المقر (هولندا)؛ ونص في مادته الرابعة/2 على أن للمحكمة أن تمارس وظائفها ومسؤوليتها على النحو المنصوص عليه في هذا النظام الأساسي في إقليم أية دولة طرف؛ ونص في مادته الحادية عشرة/2 على أنه: "إذا أصبحت أي دولة من الدول طرفًا في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة....". وقد أكدت هذا المبدأ نصوص المواد (12) و(13) و(14) والمادة (34 في فقرتها رقم أ وب وج، وفقرتها رقم 6/أ وفقرتها رقم 8/أ وب) والمادة (42/4) والمادة (48/1) والمادة (51/2) والمادة (52/3) والمادة (59/1)؛ وغيرها من النصوص التي تشير إلى (الدولة الطرف) أو إلى (الدول الأطراف).
ونصوص النظام الأساسي للمحكمة عددها (128) مادة ليس فيها مادة واحدة تخول المحكمة اختصاصًا على مكان أو شخص لا يحمل جنسية إحدى الدول الأعضاء في تلك المعاهدة الدولية المعروفة بـ: "نظام روما 1998".
ونتيجة ذلك قانونًا أن السودان، وأراضيه وأبنائه، من المسؤولين الحكوميين أو السياسيين أو من غيرهم، لا يمكن بحال من الأحوال أن تنطبق عليهم نصوص نظام المحكمة الجنائية الدولية لسبب بسيط هو أن السودان ليس عضوًا في هذه الاتفاقية التي لا تسري نصوصها إلا على الدول الأعضاء فيها.

(2)

تنظم المادتان (53) و(54) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وظيفة المدعي العام المعين أمامها. وهما توجبان عليه ـ ضمن واجبات عديدة ـ أن يتأكد من أن المعلومات التي أتيحت له توفر أساسًا معقولا للاعتقاد بأن جريمة تدخل في اختصاص المحكمة قد ارتكبت أو يجري ارتكابها، ومن أن القضية مقبولة أو يمكن قبولها بموجب المادة (17)، وأن يوسع نطاق التحقيق ليشمل جميع الوقائع والأدلة المتصلة بتقدير ما إذا كانت هناك مسؤولية جنائية بموجب هذا النظام الأساسي وأن يحقق في ظروف التجريم والتبرئة على حد سواء.
وقراءة تقرير المدعي العام، الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو، تبيِّن أنه لم يزر السودان، وطبعًا لم يزر دارفور. ولم يزر أي من معاونيه الذين ذكرهم النظام الأساسي للمحكمة السودان أو دارفور فكيف يتسنى له أن يتأكد من المعلومات بحسب نص المادة (53) وأن يوسع نطاق التحقيق طلبًا للحقيقة عملا بنص المادة (54) من النظام الأساسي للمحكمة؟؟
لقد اعتمد السيد/أوكامبو على معلومات وصلته من معارضين سودانيين يقيمون في أوروبا
ـ وربما في الولايات المتحدة ـ وعلى تقارير إعلامية، وسمى ذلك وثائق، وعدَّدها فجعلها سبعة آلاف وثيقة(!) وهي كلها لا توصف بأقل من أنها غير محايدة. وهي، لا شك، قد وصفت الحال في دارفور بما أملاه هوى كاتبيها لا بحقيقة الحال لأن الذي أورده المدعي العام في تقريره المأخوذ منها ليس صحيحًا جملة وتفصيلاً.
ودارفور ليست في المريخ، ولا الوصول إليها مستحيل. والسودان تَعَاون مع كل من اهتم بموضوعها في إتاحة فرصة الوصول إليها واللقاء بالمسؤولين السودانيين وزعماء المعارضة، وبأهل دارفور في محافظاتها الثلاث والوقوف على حقائق الواقع بنفسه. ولم يقرر أحد من الأشخاص، ولا وفد رسمي من الوفود التي زارت دارفور في خضم الأحداث (2004-2006) صحة أي تهمة مما ردده السيد/ أوكامبو في تقريره.
لقد زارت وفود من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واتحاد الأطباء العرب، وعشرات المنظمات الأخرى العربية والإسلامية والدولية، دارفور في أثناء سنوات 2004 و2005 و2006، وقبلها وبعدها. وكانت، ولا تزال فيها، معسكرات دائمة للبعثة الطبية العسكرية المصرية، وللهلال الأحمر السعودي، ولمنظمة الإغاثة الإسلامية وبضع وعشرين منظمة إغاثية أوروبية وأمريكية وغيرها؛ ولم يجد أحد أي دليل على صحة شيء من التهم التي يزعم المدعي العام أنها قائمة في حق حكومة السودان أو في حق الرئيس البشير. وأصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانًا ضافيًا في 7/9/2004 بعد زيارة وفد منه استمرت خمسة أيام للسودان ودرافور، ولم يبق فيها مسؤول له شأن بقضية دارفور، أو معارض له قول فيها، إلا وقابله وفد الاتحاد، بمن فيهم الدكتور حسن الترابي الذي كان رهن الإقامة الجبرية يومذاك. وانتهى الوفد (كان مكونًا من العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد، والمستشار الشيخ فيصل مولوي، والأستاذ الدكتور علي القره داغي عضوي مجلس الأمناء، وكاتب هذه السطور أمينه العام) إلى أن الأخبار التي كان يتداولها الإعلام الغربي ـ وهي التي بنى عليها السيد/ أوكامبو تقريره ـ عن التطهير العرقي والإبادة الجماعية والاغتصاب الجماعي، كلها لا أساس لها من الصحة. وأن الوضع في دارفور يرجع إلى جملة عوامل ليس من بينها ـ يقينًا ـ رغبة الحكومة أو سعيها إلى (إبادة جماعية)، أو مساعدتها على ذلك ضد أية جماعة لأية جماعة عرقية في دارفور.
بل لقد زار دارفور وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول، وناقش عددًا كبيرًا من قياداتها السياسية والتنفيذية ومن أبناء قبائلها، وعندما عاد إلى الخرطوم صرح للتلفزيون السوداني، وغيره من أجهزة الإعلام، بأنه لم يشهد أي دليل على التطهير العرقي في دارفور، ثم عند وصوله إلى باريس صرَّح في المطار بخلاف ذلك (!) ويبدو أن السيد/أوكامبو استمع إلى التصريح الثاني ولم يلفت نظره تناقضه مع التصريح الأول.
وقد نشرتُ في مجلة وجهات نظر المصرية (عدد أكتوبر 2004)، في أعقاب عودتي من دارفور، تفصيلاً مطولاً لحقائق الوضع هناك وأسبابه واقتراحات السودانيين وغيرهم عن كيفية علاجه، وأثبتُّ بشهادة قضاة، وأساتذة جامعات، وعلماء، ودعاة وممثلين لمختلف القبائل في دارفور، أن الأمر فيها لا علاقة له من قريب أو بعيد بالجرائم التي يزعم تقرير المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية أن لديه أدلة على ارتكاب الرئيس السوداني إياها. وأشرتُ إلى اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي شكلها الرئيس البشير طبقًا لقانون سوداني قديم (من زمن الإنجليز) برئاسة قاضي قضاة السودان السابق، العالم الجليل، البروفيسور دفع الله الحاج يوسف وقد ضمت أطباء وقضاة سابقين وأخصائيين نفسيين وخبراء في الشؤون العسكرية والأمنية وانتهت بعد عمل استمر نحو سنة كاملة إلى ذات النتائج التي انتهى إليها وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وتقرير هذه اللجنة منشور في أكثر من مائة صفحة ومحاضر أعمالها المثبتة لكيفية إنجازها مهمتها تقع في عدة مئات من الصفحات، وقد قدم السودان تقرير هذه اللجنة، مع غيره من التقارير، إلى مجلس الأمن فكانت كلها متاحة للمدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وهكذا فإن المدعي العام الذي يطلب إلقاء القبض على الرئيس عمر حسن البشير لمحاكمته جنائيًا، لم يقم بأداء واجباته التي يلزمه بها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فقدم معلومات مغلوطة، عارية عن الصحة، وتجاهل تقارير الوفود المحايدة التي زارت مواقع الأحداث، وهو استنكف عن زيارتها. وتقرير من هذا النوع لا يصلح ـ قطعًا ـ دليلاً أمام أية محكمة تحترم نفسها لتوافق على إلقاء القبض على شخص متهم بجرائم ضد الإنسانية، هذا لو كانت المحكمة مختصة بمحاكمته أصلاً (!)
ولعله يهم القارئ أن يعرف أن هذا المدعي العام نفسه كان يدرِّسُ أحيانًا في جامعة هارفارد الأمريكية، أستاذًا زائرًا وكانت شهرته بين طلابه أنه يتميز بعنفٍ ظاهر، واندفاع لا يخفيه، وشدة في معاملة طلابه غير مألوفة. والممارسون لمهنة القانون يعرفون كيف تنعكس مثل هذه الصفات الشخصية على صاحبها عندما يكون في موقع الادعاء!!

(3)

إن الواجب على الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية أن تقضي بعدم قبول الطلب المقدم من المدعي العام لتعلقه بدولة ليست عضوًا في معاهدة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ولكن أصواتًا من الغرب. وبعض الأصوات في السودان نفسه، تقول إن المدعي العام قدم تقريره إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة بناء على طلب من مجلس الأمن، ومن ثم يجوز للمحكمة أن تحاكم الشخص المعني بناءً على نص المادة (13/ب) من النظام الأساسي للمحكمة. وهذا النص يجيز للمحكمة أن تمارس اختصاصها "إذا أحال مجلس الأمن، متصرفًا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت". والجرائم المشار إليها هي الجرائم المبينة في النظام الأساسي للمحكمة.
ولكن هذا الرأي مردود، وغير سديد. فهو مردود لأن اختصاص المحكمة بصوره كافة يقتصر على الدول الأعضاء في معاهدة نظامها الأساسي. ونصوص هذا النظام، كنصوص أية معاهدة دولية أو قانون أو عقد، يجب أن تفسر متكاملة. متجانسة يأخذ بعضها بعَضُدِ بعض؛ ولا يجوز أن يفسر كل نص منها مبتورًا من سياقه، مقطوعًا عن سباقه ولحاقه، بحيث تتضارب الأحكام وتتنافر النتائج على نحو يأباه المنطق القانوني السليم.
وهو غير سديد لأن اختصاص مجلس الأمن بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة هو اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، ويجوز له بموجب المادة (42) وما بعدها من الميثاق أن يتخذ تدابير عسكرية بما فيها استخدام القوة "لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".
وليس في هذا الفصل، لا في ميثاق الأمم المتحدة، ولا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ما يخول مجلس الأمن، ولا المدعي العام، إلزام دولة مستقلة ذات سيادة بأحكام وإجراءاتٍ تقررها معاهدة ليست هذه الدولة طرفًا فيها.
وعلى أساس هذا المنطق المسلَّم في النظم القانونية كافة، في النظم القانونية كافة، يكون اختصاص مجلس الأمن بموجب المادة (13/ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قاصرًا على حالات وقوع الجرائم المشار إليها في نص تلك المادة في دولة، أو من دولة، عضو في اتفاقية النظام الأساسي للمحكمة. وطلبُ مجلس الأمن الذي يوجهه إلى المدعي العام في شأن غير الدول الأطراف في ذلك النظام الأساسي لا قيمة له قانونًا، ولو كان هذا المدعي العام يمارس عمله بالاستقلال المنصوص عليه في المادة (42/1) من النظام الأساسي لردَّ هذا الطلب إلى مجلس الأمن لعدم تعلقه بدولة من الدول الأطراف في نظام المحكمة.
وهكذا، يتبين أن المادة (13/ب) من نظام المحكمة لا توفر سندًا قانونيًا مقبولا لما قام به المدعي العام، كما لا يمكن أن توفر هذه المادة أي سند لقرار تصدره الدائرة التمهيدية بالمحكمة للقبض على الرئيس عمر البشير.

(4)

يبقى أن نشير، في هذه الملاحظات العاجلة، إلى أن عمر حسن البشير رئيس دولة. وهو وفق العرف المستقر في القانون الدولي يتمتع بحصانة قضائية وسياسية لا يمكن النيل منها إلا وفق ودستور بلاده وقانونها. وفي النظام الأساسي للمحكمة نص المادة (27) الذي يقرر أن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسًا لدولة أو حكومة أو عضوًا في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخبًا أو موظفًا حكوميًا، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي.
والنص ناطق صراحة بأنه يعمل في ظل (النظام الأساسي للمحكمة)؛ أي يعمل في نطاق واجبات الدول الأطراف فيه وينطبق على المسؤولين في تلك الدول. ومن ثم فلا أثر لنص المادة (27) من النظام الأساسي على حصانة الرئيس البشير المقررة بالدستور السوداني.
ويؤكد ذلك أن بعض الدول التي صدقت على الاتفاقية أبدت مجالسها الدستورية أو التشريعية تحفظات على هذا النص مقررة أن القبول به يستلزم تعديلا لدستورها أو قوانينها المقررة لحصانة رئيس الدولة أو الوزراء أو أعضاء البرلمان.
وقع ذلك في فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج [الرأي الدستوري الفرنسي صادر من المجلس الدستوري في 22/1/1999؛ والرأي الدستوري البلجيكي صادر من مجلس الدولة في 21/4/1999؛ والرأي الدستوري في لوكسمبورج صادر من مجلس الدولة بتاريخ 4/5/1999].
فلو افترضنا ـ جدلا ـ أن السودان، أو غيره من الدول العربية، انضمت إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن ذلك سيقتضي تعديلات دستورية ضرورية قبل أن يصبح النظام نافذًا في حق تلك الدول، ذلك أن جميع الدول العربية تقرر حصانات لفئات مختلفة من ذوي النفوذ والسلطان فيها لا يمكن الإبقاء عليها مع الانضمام إلى النظام الأساسي للمحكمة . ومن العجيب أن أدبيات الموضوع المتاحة لا تشير إلى أي تعديل دستوري في الأردن أو جيبوتي (الدولتان العربيتان الوحيدتان المنضمتان إلى النظام الأساسي للمحكمة) مع وجود نصوص دستورية تقرر حصانة رئيس الدولة في كل منهما (!)
ويؤكد ما ذكرناه آنفًا من اقتصار العمل بنظام المحكمة على الدول الأطراف فيها ما أورده نص المادة (11/2) من أنه لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها، بالنسبة للدول التي تنضم إلى النظام بعد نفاذه، إلا بشأن الجرائم التي ترتكب بعد بدء سريانه في حقها.

(5)

إن التقرير الذي قدمه المدعي العام إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لو حظي بقبول هذه الدائرة وصدر أمر قضائي بالقبض على الرئيس البشير سيكون سابقة خطيرة قد يصل مداها ـ ذات يوم ـ إلى الرئيس جورج بوش نفسه بسبب المجازر التي ترتكبها قواته في العراق وأفغانستان والصومال، وبسبب الدعم غير المحدود المقدم من إدارته لإسرائيل لتستطيع تنفيذ مجازرها اليومية في فلسطين ولبنان وغيرهما. وقد يصل مداها إلى مئات المسؤولين الصهاينة الذين تثبت وثائق وأدلةٌ لا يرقى إليها أي شك ارتكابهم مئات الجرائم ضد الإنسانية من دير ياسين إلى بحر البقر إلى صابرا وشتيلا إلى قانا إلى الخليل وجنين وغزة وعشرات الأماكن الأخرى.
أما الرؤساء والملوك والأمراء العرب فإنهم إذا لم يقفوا وقفة رجل واحد لمنع صدور هذا القرار المطلوب من الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية، فإنني أخشى أن يأتي اليوم الذي يقول فيه قائلهم "أُكِلتُ يوم أٌكِلَ الثورُ الأبيض". 18 يوليو 2008


لا أظن أن هناك مصري واحد لديه قدر بسيط من المعرفه
لا يعرف الدكتور /محمد سليم العوا

هناك 32 تعليقًا:

د. ياسر عمر عبد الفتاح يقول...

والله العظيم ده ذل
رئيس دولة يعملوا فيه كده
علشان دولة بس عربية إسلامية
طيب وهيه فين المحكمة الموقرة من ليفنى وباراك ونتنياهو وشارون وغيرهم

بس خلاص ... يقول...

الحق اول تعليق واروح اقرا وارجع
انا كنت جايه اقولك ياناسينى وكمان على رأى عبد المطلب اسأل مره علي

بس خلاص ... يقول...

استاذنا العزيز
رئيس التحرير هذا الكلام من انتاجى المتواضع جدا مجرد كلمات عبرت بها عن موقف معين
اشكرك لزيارتك الغاليه واشكرك علةى كلماتك الرقيقة
اتمنى ان اتشرف بزيارتك دائما

بس خلاص ... يقول...

استاذنا العزيز
فى البداية طبعا بنشكرك على هذا البوست التنويرى كعادتك دائما توضح لنا ما قد غاب وتاه عنا
وزى ما انت عارف انهم عاملين ربطيه (بضم الراء ) على الوطن العربى والاسلامى وبيدوروا على اى زريعة ينخوروا بيها فى هذا الجسد لهدم الكيان والسلام

وهذا كله يحدث فى غفلة من اولى الامر ولكن للاسف الغفلة مقصوده
الله المستعان
دمت لنا منورا ومعلما يا استاذنا الغالى

الازهرى يقول...

طيب فكرك نقول ؟
ولو رفضنا ممكن يسمعوا لنا
انها للاسف حسابات المصالح الدولية وهو بالطبع ليست معنا
ومن وجهة نظرى هى ضدنا
فقد سبق ان نادى البعض بان يتم التحقيق مع اسرائيل وجزاريها عدة مرات ولم يتقدم احد لذلك
نحن امة لم يعد احد يعمل لها حسابا
وان لم نتحرك ونرعى مصالحنا اليوم فلن يكون الغد ايضا لنا

تحياتى دوما

الحرامي يقول...

استاذي رئيس التحرير
ليس غريبا ان يحدث هذا لرئيس دوله عربيه
وانا لا اغفي البشير من التهم المنسوبه اليه
ولكن
اذا اطلعنا علي تقرير الخارجيه الامريكيه لحقوق الانسان
نجد مصر والصين وماليزيا وايران وحد تاني مش فاكرههما اللي عندهم انتهاكات لحقوق الانسان
فين اسرائيل
فين امريكا نفسها

فشكووول يقول...

الموضوع طويل قوى يا حسين بك .. بس انا حبيت اسجل حضور وبعدين حاقرى على مهلى اصل اتأخرت عليك لانى كنت مسافر وجيت امبارح بالليل

غير معرف يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أهلا أخى الفاضل

كنت اود ان يكون الموضوع اقصر قليلا او ملخصاً حتى تعم الفائدة ..


لكن أخى الا تلاحظ اننا لا نتحرك الا وقت حدوث الكارثه؟!!

الم يكن حرياً بنا ان نستبق الاحداث بالتحليل و مدارتها ؟!!

الى متى أخى سنظل رد فعل لاى فعل يفعله اى شعب مهما قل حجمه و اهميته ع وجه المعمورة؟!!


ياويلنا من أمه قريبة هى من النفط بعيدة هى عن الله


هنا لى تعليق ع الموضوع http://tief3abr.blogspot.com/2009/03/blog-post_06.html?showComment=1236526140000#c4174080119754069015

اتمنى ان تختلس وقتاً لالقاء النظره عليه

اسف لحضورنى متأخراً

Beram ElMasry يقول...

الاخ العزىز الغالى . رئيس التحرير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لك شكرى لتفضلك بزيارتى وامتنانى لتكرمك بالدعاء لى فى مرضى ، وكلى امل فى كريم اخلاقك لقبول اعنذارى عن التاخير فى الرد ، ذلك بسبب اصابتى بصداع شديد لازمنى عدة ايام مع مشاكل فى الرؤية ولكن الحمد لله
( تفتح ابواب قلبي لك وأرجوا الا اكون ثقيلا عليك ) ... امع هذا القول الجميل تكون ثقيلا ؟ انى من بين الرجال اللذين يعرفون قدرالرجال وحقهم
على يوم الاربعاء القادم بيننا اتصال ، ايميلى موجود ومن خلاله نتحاور
وفى يوم ميلاد المصطفى صلى الله علسه وسلم ادعو الله لى ولك بالخير وجميع اهلك واحبابك
لك تحياتى والسلام عليكم ، ولا سلام مع اليهود

غير معرف يقول...

أخى الفاضل:حسين سباق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً كيف حالك؟؟
أين أنت ..اشتقنا لتواصلك الطيب

أخى : لماذا يحاكم البشير ولايحاكم بوش وعصابة الصهاينة؟

هؤلاء هم من يستحقون المحاكمة.
المحكمة الدولية هذه فقدت مصداقيتها لابد أن تكون عادلة.. ولكن أى عدل هذا نبحث عنه لديهم وهم لايعرفونه.

هل كالعادة سيقدم البشير كبش فداء والعرب صامتون؟؟؟

أى هوان وأى خزى هذا الذى وصلت له الأمة
حسبنا الله ونعم الوكيل

اقصوصه يقول...

يا ترى

الدور القادم

دور مين؟

عابر سبيل (عبدالرحمن محمود) يقول...

انضموا معنا لحملة
الحرية للمدون الدكتور توكل مسعود صاحب مدونة بلا وطن
http://belawa6an.blogspot.com/
الحملة تنطلق من هذا الرابط
http://abersbel.blogspot.com/

Beram ElMasry يقول...

اتمنى زيارتكم لمدونتى وابداء الراى فى الموضوع المطروح ، فلا تتاخروا ولا تبخلو ا بالمشاركة

فشكووول يقول...

ازيك يا حسين بك
اما قريت البوست بتاعك وخصوصا الباروجراف الاخير اللى يتعلق بامكانيه القبض على جورج بوش وخلافه
اذا كان القبض على البشير سيؤدى الى هذا فانا موافق جدا ... مع الاحاطه بانى لست ضد القبض على البشير فهو يستحق .. ولكن ضد الكيل بمكيالين
تحياتى

فشكووول يقول...

ازيك يا حسين بك
انت يا خويا قلت تعليق ولا حد يفهم منه اى حاجه .. هو التعليق من نوع البوست ولا ايه .. سمك لبن تمر هندى
تحياتى

daktara يقول...

معلومات قيمة جدا جدا
استفدت منها كثيرا
واراء متنوعة لمختلف وجهات النظر

Soul.o0o.Whisper يقول...

أستاذى العزيز

طبعا حضرتك نورتنى بزيارتك الجميلة
و تعليقك الرقيق

و طبعا شرف ليا إنى آجى المدونة و كمان أعلق

حقيقى مش فهمت اوى حضرتكتقصد أى موضوعين
لكنى بدات بهذا الموضوع

حقيقى تحليل حضرتك للموضوع فوق الرائع
لكن انا يادوب وصلت ل رابعا

و على فكرة تقريبا هو منسوخ مرة تانية فى نفس البوست

طبعا راجعة مرة تانية أكمل الباقى
و بعدين يكون التعليق بعد قراءة شاملة


دمت بود

فارس عبدالفتاح يقول...

طبعاً الموضوع طويل وانا للاسف معنديش وقت كافي بس احب اقول كلمة على العنوان فقط

اذا كان فيه رئيس عربي قبله اعدم وفيه دولة دمرت واحتلت وشعب شرد ودولة تضرب اي واحد يحاول ان يعلن ان مقاومة الشعب الفلسطيني حق شرعي


يبقي مش هتقدر تحاكم حتت رئيس دولة عربي في جنوب الواد لما اجبرت رئيس شمال الوادي على اقامة معاهدت سلام ليست في صالح شعبه ولا في صالح قوميته او حتى في صالح تاريخه الشخصي وفي الاخير تم قتله واغتياله بطريقة في منتهى الاستهتار والسخرية بانه يعتقد ان قواته المسلحة هي الحامية لشعبه ولشخصة قتل بطريق تدعو للاحتقار والازدراء لهذا الرئيس المهذوم نفسياً وفكرياً

Mohamed Nagah يقول...

مدونه رائعه

بالتوفيق دائما

_ دعوه خاصه الى زيارة منتدى البيت العربى للتصميم

منتدى اكثر من رائع
http://mohamed-nagah.com/vb/

اوراق قديمة يقول...

الاستاذ حسين
رئيس التحرير
اولا انا فى عاية الامتنان والشكر لزيارتكم الكريمة لمدونتى المتواضعة للغاية
وقد ادركت مدى تواضعها حين قرات هذا الموضوع الكبير والغنى بكل التفاصيل
نشكر لك هذا المجهود
واتمنى ان يجتمع العرب يوما على راى ما
ام محمد

Israa El-sakka يقول...

السلام عليكم
مع كامل إحترامي..أنا من معتقدين أن النظام السوداني فاسد كمثيله المصري و السعودي و بقية الأخوات ...لكن إذا لم ينهض شعبا لأخذ حقه فلا طائل من المحاكمة من الأساس ..لفظ جريمة حرب مش لفظ يمفع يطلق بالعموم و لفظ الإبادة الجماعية كذلك لكن معروف أن النظام السوداني كان بيقوم بحملات في النوية و دارفور و الجنوب و غيرها من مناطق السودان و ياريت تتطلع على تقرير مركز النديم عن الأوضاع في السودان و التقربر على فكرة منذ مدة ..للأسف النظام السوداني فتت السودان بيده ..بيفكروني بيحبايبنا المسؤلين عن إنفصال السودان عن مصر من الأول كلهم نفس الطينة

حياتى نغم يقول...

السلام عليكم / جزاكً الله خيراً أستاذ حسين على تلك الحقائق ، لم تشترك السودان فى اتفاقية روما ولم يتم التوثق من التقارير المزيفه وتم إهمال التقارير المحايدة و و ...
ولكنه ليس بغريب على عالم غربى كل همه هو القضاء على سلطة المسلمين ونهب كل ما يمكنهم نهبه وسلب كل ما يمكنهم سلبه فى ظل هيمنه صنعوها لأنفسهم ويروجونها بسياسة التكييل بمكيالين ويحاولوا أن يتحكموا فيما لهم وما ليس لهم .
حسبنا الله ونعم الوكيل .
فى قطيع المتحكمين الذين يتناسون ما يحدث حولهم .

ابو المفاصل الواصل يقول...

مش معقول

Beram ElMasry يقول...

رمضان كريم
أعاده الله عليكم وجميع الأهل والأحبة باليمن والخير والبركة

الحب بين العرب فطرة وشئ مألوف
ولا يحسدوه من الخلق غير القرد والحلوف

Beram ElMasry يقول...

رمضان كريم
أعاده الله عليكم وجميع الأهل والأحبة باليمن والخير والبركة

الحب بين العرب فطرة وشئ مألوف
ولا يحسدوه من الخلق غير القرد والحلوف

شاب مسلم يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة اتمنى من حضرتك المشاركة فى المسابقة الرمضانية ستتعرف عليها اكتر ان شاء الله عند دخولك المدونة
http://shbabmoslm.blogspot.com

شاب مسلم يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة اتمنى من حضرتك المشاركة فى المسابقة الرمضانية ستتعرف عليها اكتر ان شاء الله عند دخولك المدونة
http://shbabmoslm.blogspot.com

شجرة الدر يقول...

السلام عليكم
الف شكر على الزيارة سيدي رئيس التحرير
ومدونتك رائعه جدا
سعيدة بتعرف عليها وعليك
نرجو التواصل دائما
الف الف شكر
وكل سنه وانت طيب

Beram ElMasry يقول...

الهم تقبل صيامكم وقيامكم وأجعله في ميزان حسناتكم وعيد سعيد أعاده الله عليكم باليمن والخير والبركة أنتم وجميع الأهل

** بيرم المصري

م/ الحسيني لزومي يقول...

تقبل الله منا ومنكم
وكل عام وانتم بخير

mohamed ghalia يقول...

انا قولت اجى اسلم كلامك وحشنى بجد

همسة ايمان يقول...

بجد مدونة مفيدة استفدت منها جامد

وجارى المتابعه

تقبـــــــ مرورى واحترامى ـــــــل